20‏/07‏/2015

من الذي أدخل يده في جيبي؟ (11)





كيف نمنح حسن قطعة حلوى؟
باهتمامٍ ذكيٍّ من قِبل أسرته، الوالدان خاصة. واحترام الإخوة، وتناسي الجميع لماضيه. لأنه -أي المدمن- ما أن يدرك هذا الاهتمام حتى يعاود الشعور -المنطقي جدا- عمله ويقوم بتصعيد رغبات اللاشعور التي -عن طريق الوهم- هي الآن ضرورية لمواصلة الحياة. فبدل أن يدخن سيجارةً ليتلذذ بقُبلة من التبغ، سيرسم هذه السيجارة ويوفر عشرة ريالات ثمن علبة سجائر مكتوب عليها "التدخين يسبب الوفاة المبكرة".

وعلى سبيل الفكاهة، كان أحد أصدقائي المدخنين لا يدخن إلا ذلك النوع من السجائر الذي كُتبت على علبته "دخان التبغ يؤذي الجنين وقد يؤدي لنقص الوزن عند الولادة أو الولادة المبكرة". وكلما أسأله "لم هذا النوع بالتحديد؟" يجيب "لا شيء من الكلمات المذكورة يخصني!". وهذه، في الواقع، لعبة ماهرة يلعبها المدمن لتبرير أفعاله، ومن السهل الوصول معه عن طريقها إلى حل. وسنقرأ الكثير من هذه الحيل لاحقا.
تدريجيا، يبدأ اللاشعور بفقدان ثقته بأساليبه، وتبور تجارته ويخسر. هذا حلٌّ موفق بإذن الله إذا كانت الحاجة مرتكزة على الحب فحسب. لكنه يحتاج إلى حلول أخرى تدعمه وتشد من أزره بحيث لا تناقضه ولا تصفه بعدم الجدوى. فلا نفضِّل أن يسمع حسن من أهله ألفاظًا من نوع "الله يهديك، الله يصلحك". فهذه الدعوات يستحسن أن تظل سرا. والمجاهرة بها أمامه ستوحي إليه بمعنى ذي وجه واحد ليس غير. أنهم يُخاتلونه بحنانهم ليقلع عن إدمانه.
هذا ما يفهمه حسن، وعليه يحق له ألا يسمع شيئا من هذا القبيل.
وإنني أتعجب حين أسمع أحدهم ينصح مدمنا بطريقة دينية بحتة ويقول له ما يعني أن عليه أن يسارع بالتوبة وإلا سيبتليه الله بالأمراض والأوجاع والمصائب. وهذا في رأيي أسلوب ركيك وغير منطقي بالمرة في مساعدة أمثال حسن. فإذا فهمنا أن حسن لا يدخن لأنه يريد أن يدخن، فكيف نستطيع أن نسمي تدخينه إثما؟ إذا كان حسن يبحث عن الحنان والحب ويدخن لأنه أخفق، أو لأن أهله أخفقوا في إهدائها إليه بلا مقابل، كيف نرجوا منه أن يتوب وهو أصلًا يفعل ما يفعل ليكفِّر عن ذنب أهله القاسين؟
ما أقصده، ليس الجانب التشريعي من التدخين وأنه ليس حراما لأنه محاولة لكسب الود والاهتمام. كلا، ولكن الجانب الدعوي هو المقصود. أي أن على الداعي أن يتكرم بالسكوت إن لم يتفهم سيكولوجية الإدمان، وسيشكر الله سعيه. فإنه إن استمر، ونحن إن استمررنا في مثل هذه المحاولات، سوف نفقد حسن تماما من المسجد. ولن يكون ملوما لو قال لنفسه "ما هذا الدين الذي يحرمني الحنان ويعاقبني عليه؟".
سنعثر في النهاية على حسن طبيعي، يحب أسرته ويشعر معهم بالأمان والحنان. ولكن هذا وحده لا يكفي لتخليصه من إدمانه، مع أنه سيساعده. إذ ثمة أشخاص طبيعيون وعاديون وموفورٌ لهم الحنان والحب والاهتمام ولكنهم ينحرفون لأسباب أخرى.
سنشتري لحسن قطعة حلوى، ولن نقول له "ادفع الحساب". هذا ما أرجوه.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.